يُعد فقر الدم من المشكلات الصحية الشائعة التي تصيب النساء خلال فترة الحمل، وهو ناتج عن انخفاض في عدد خلايا الدم الحمراء أو نقص في كمية الهيموغلوبين، مما يؤثر على قدرة الدم على نقل الأكسجين إلى خلايا الجسم والجنين. يتم الكشف عن هذه الحالة غالبًا أثناء الفحوصات الدورية الروتينية التي تخضع لها المرأة الحامل طوال فترة الحمل.

في هذا المقال المفصل، سنأخذك في رحلة معرفية لفهم فقر الدم أثناء الحمل، أسبابه، أعراضه، المضاعفات المحتملة، وسائل العلاج، وأهم النصائح للوقاية منه، وكل ذلك بلغة طبية مبسطة ودقيقة.

ما هو فقر الدم أثناء الحمل؟

فقر الدم هو حالة طبية تحدث عندما يكون عدد خلايا الدم الحمراء أو مستوى الهيموغلوبين أقل من الحد الطبيعي. والهيموغلوبين هو بروتين أساسي داخل كريات الدم الحمراء، يقوم بحمل الأكسجين من الرئتين وتوزيعه إلى مختلف أنحاء الجسم، وفي المقابل يساعد في إزالة ثاني أكسيد الكربون.

عند النساء غير الحوامل، يُعتبر فقر الدم موجودًا إذا كان مستوى الهيموغلوبين أقل من 12 ملغم لكل ديسيلتر، بينما يُشخص عند الحوامل إذا انخفض هذا المستوى إلى ما بين 10-11 ملغم/ديسيلتر.

الأعراض الشائعة لفقر الدم أثناء الحمل

قد تختلف الأعراض من امرأة إلى أخرى، وقد تمر بعض الحالات دون أعراض واضحة، بينما تظهر على أخريات علامات مزعجة تؤثر على نوعية الحياة، ومنها:

• الشعور بالتعب والإرهاق حتى مع بذل مجهود بسيط.

• الدوار أو الدوخة المفاجئة.

• ضيق التنفس أثناء المشي أو القيام بالأعمال اليومية.

• تسارع ضربات القلب.

• شحوب لون البشرة والوجه.

• صعوبة في التركيز.

• صداع مستمر.

• رغبة شديدة وغريبة في تناول مواد غير غذائية مثل الثلج أو الطين (وهي حالة تُعرف بالـ "وحم الغريب").
   

الأسباب والعوامل المؤدية لفقر الدم أثناء الحمل

1. التمدد الدموي (تخفيف تركيز الدم)

أثناء الحمل، يزيد حجم الدم في جسم المرأة بنسبة قد تصل إلى 50%. هذه الزيادة تُعزى بشكل رئيسي إلى زيادة كمية البلازما (الجزء السائل من الدم)، مما يؤدي إلى انخفاض تركيز خلايا الدم الحمراء مؤقتًا، وهي حالة تُعرف بـ "فقر الدم الفسيولوجي للحمل"، وغالبًا لا تسبب مشاكل صحية خطيرة.

2. نقص الحديد

الحديد هو عنصر أساسي في إنتاج الهيموغلوبين، وتحتاج المرأة الحامل إلى كميات أكبر من الحديد لتلبية احتياجات جسمها واحتياجات الجنين. في حال عدم توفر كميات كافية، يحدث فقر دم ناتج عن نقص الحديد. من المثير للاهتمام أن المرأة تفقد الحديد خلال:

• تكوين المشيمة.

• نمو الجنين.

• فقدان الدم أثناء الولادة.

• تكوين الحليب في فترة الرضاعة.
   

3. نقص حمض الفوليك

يُعد حمض الفوليك ضروريًا لإنتاج كريات دم حمراء سليمة. ومع أن الجسم يحتاج كميات صغيرة منه، فإن الحمل يزيد الحاجة إليه، خاصة في الأشهر الأولى، لتفادي التشوهات الخلقية وحماية الجنين، وفي حال نقصه قد يتطور فقر الدم.

4. نقص فيتامين ب12

يُسهم فيتامين B12 في تصنيع كريات الدم الحمراء، ويؤدي نقصه إلى فقر الدم الضخم الأرومات، وهي حالة تؤدي إلى إنتاج خلايا دم غير طبيعية.

ما المضاعفات التي قد تنتج عن فقر الدم أثناء الحمل؟

إذا لم يُعالج فقر الدم أثناء الحمل بالشكل المناسب، فقد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، منها:

• الولادة المبكرة.

• انخفاض وزن الجنين عند الولادة.

• زيادة خطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.

• تأخر نمو الجنين داخل الرحم.

• ضعف المناعة لدى الأم والطفل.

• مضاعفات أثناء الولادة بسبب قلة تحمل فقدان الدم.
   

كيف يتم تشخيص فقر الدم خلال الحمل؟

يُجري الطبيب فحوصات دورية للدم تقيس مستوى الهيموغلوبين والهيماتوكريت (نسبة خلايا الدم الحمراء إلى حجم الدم)، وتشمل هذه التحاليل:

• تعداد دم شامل (CBC).

• تحليل مستوى الحديد في الدم.

• تحليل مستوى الفيريتين لتقدير مخزون الحديد.

• فحوصات لقياس حمض الفوليك وفيتامين ب12.
   

العلاج الفعّال لفقر الدم أثناء الحمل

1. مكملات الحديد

تُعتبر مكملات الحديد العلاج الأول والأكثر شيوعًا لفقر الدم الناتج عن نقص الحديد. وغالبًا ما يتم البدء بها في الثلث الثاني من الحمل. يُفضل تناولها على معدة فارغة مع عصير غني بفيتامين C لتحسين الامتصاص، مثل عصير البرتقال.

الآثار الجانبية الشائعة:

• الغثيان.

• الإمساك.

• تغير لون البراز إلى الأسود.
   

2. حمض الفوليك

يُوصى بتناول حمض الفوليك بجرعات يومية منتظمة قبل الحمل بثلاثة أشهر على الأقل، ويُستمر خلال الحمل بالكامل. يوجد حمض الفوليك بشكل طبيعي في:

• السبانخ والبروكلي.

• الكبدة.

• العدس والفول.

• المكسرات وخاصة الفستق.
   

3. فيتامين ب12

في حال كان فقر الدم ناتجًا عن نقص هذا الفيتامين، يتم وصفه على هيئة أقراص أو حقن حسب شدة الحالة.

4. التغذية المتوازنة

يُعد النظام الغذائي الغني بالعناصر الغذائية من أهم خطوات علاج فقر الدم، ويُنصح بتناول:

• اللحوم الحمراء.

• الكبدة.

• البيض.

• الأسماك.

• الحبوب الكاملة.

• الخضراوات الورقية الداكنة.
   

الوقاية من فقر الدم أثناء الحمل

الوقاية خير من العلاج، ويمكن تقليل خطر الإصابة بفقر الدم من خلال الخطوات التالية:

1. تناول مكملات ما قبل الولادة

تحتوي معظم مكملات ما قبل الولادة على الحديد وحمض الفوليك وفيتامينات أساسية، ويُنصح بعدم إيقافها دون استشارة الطبيب حتى بعد الولادة.

2. اتباع نظام غذائي متنوع

احرصي على تنويع غذائك ليشمل مصادر الحديد والفيتامينات والمعادن، مع الاهتمام بتناول الأطعمة المعززة بالحديد مثل الحبوب والخبز المدعم.

3. تجنب تناول الشاي والقهوة بعد الوجبات

لأن الكافيين يقلل من امتصاص الحديد بنسبة تصل إلى 60%، يُفضل تناول هذه المشروبات بين الوجبات وليس معها.

4. الفحص المبكر

قومي بإجراء الفحوصات اللازمة منذ بداية الحمل، واتبعي تعليمات الطبيب بدقة.

نصائح إضافية لتقوية الدم أثناء الحمل

• حاولي تضمين فيتامين C يوميًا في نظامك الغذائي لتقوية امتصاص الحديد.

• تجنبي استخدام مكملات الكالسيوم مع الحديد في نفس الوقت لأنها تتداخل في الامتصاص.

• إذا كنتِ نباتية، فاستشيري طبيبك بشأن مكملات B12.

• التزمي بالمواعيد الدورية للفحوصات والتحاليل.
   

فقر الدم أثناء الحمل ليس بالأمر النادر، لكنه قد يشكل خطورة إذا لم يتم اكتشافه وعلاجه في الوقت المناسب. من خلال التوعية والفحوصات المنتظمة واتباع نظام غذائي سليم وتناول المكملات عند الحاجة، يمكنك حماية صحتك وصحة جنينك.

كوني دائمًا على تواصل مع طبيبك وشاركيه كل الأعراض التي تشعرين بها، فالكشف المبكر والتدخل العلاجي المناسب كفيلان بتجاوز هذه المشكلة الصحية دون مضاعفات.

ننصح كل سيدة حامل بمتابعة حالتها الصحية بشكل دوري، وخاصة عند ظهور أعراض فقر الدم، من خلال المتابعة مع مختصين في طب النساء والتوليد. ويُعد مجمع صحة المرأة للخصوبة في جدة من أفضل المراكز الطبية المتخصصة في متابعة الحمل والحفاظ على صحة الأم والجنين، لما يضمه من نخبة من الأطباء والاستشاريين ذوي الخبرة الطويلة التى تتجاوز 24 عاماً في تقديم الرعاية المتكاملة للمرأة الحامل.